جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
« إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جمعية إسلامية في سيرها وأعمالها، جزائرية في مدارها وأوضاعها، علمية في مبدئها وغايتها، أسست لغرض شريف، تستدعيه ضرورة هذا الوطن وطبيعة أهله، ويستلزمه تاريخهم الممتد في القدم إلى قرون وأجيال، وهذا الغرض هو تعليم الدين ولغة العرب التي هي لسانه المعبر عن حقائقه للكبار في المساجد التي هي بيوت الله وللصغار في المدارس على وفق أنظمة لا تصادم قانونا جاريا ولا تزاحم نظاما ما رسميا ولا تضر مصلحة أحد، ولا تسيء إلى سمعته فجميع أعمالها دائرة على الدين، والدين عقيدة، اتفقت جميع أمم الحضارة على حمايتها وعلى التعليم والتعليم مهنة، اتفقت جميع قوانين الحضارة على احترامها وإكبار أهلها ».
منشور لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين نشر في جريدة البصائر عدد 160 الصادرة في 07 أبريل 1939.
فكرة التأسيس :
تعود فكرة تأسيس هيئة تجمع شمل العلماء المسلمين الجزائريّين عند الشّيخ عبد الحميد بن باديس إلى فترة إقامته بالمدينة المنوّرة عندما كان يتناقش ويدرس مع رفيق الدرب الشّيخ "محمّد البشير الإبراهيميّ" أوضاع الجزائر، وسبيل النهضة الشاملة. وفي ذلك يقول الشّيخ الإبراهيميّ : « وَأشْهِدُ الله على أن تلك الليالي من عام 1913 هي التي وضعت فيها الأسس الأولة لجمعيّة العلماء المسلمين والتي لم تبرز للوجود إلا عام 1931 ».
لقد تأكد للشّيخ ابن باديس بعد رجوعه من الحجاز، أن خدمة الوطن ونهضته لا يمكن أن يقوم بها شخص واحد، لذلك كان من الطبيعي أن يتطلع إلى توسيع الخطة الإصلاحية التي شرع في تنفيذها بتعليم الناس وإرشادهم وتصحيح أمور دينهم، واستنهاض همم العلماء إلى تأسيس الهيئات التي تشد عضده، وتعينه على أداء مهمته، فباشر منذ عام 1920 م بعقد لقاءات مع الشّيخ "محمّد البشير الإبراهيميّ" في كل أسبوعين أو كل شهر على الأكثر تارة في سطيف، وأخرى في قسنطينة، لتقيم نشاطهم وأثره على الشعب ووضع برنامج للمستقبل وتهيئة الظروف لإخراج جمعيّة تجمع شمل العلماء من حيّز القول إلى حيّز الفعل.
التأسيس :
تأسست "جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين" بعد عام من الاحتفال بمضي قرن على احتلال الفرنسيين للجزائر (1349 ه /1930 م)، وذلك يوم الثلاثاء 17 من شهر ذي الحجة عام 1349 ه الموافق لـ05 من ماي 1931 م في اجتماع بنادي الترقّي لاثنان وسبعون من علماء القطر الجزائري ومن شتى الاتجاهات الدينية والمذهبية (مالكيين واباضيين، مصلحين وطرقيين، موظفين وغير موظفين)، كما حضر الاجتماع الأعيان وطلبة العلم، بدعوة خاصّة وجهتها لهم لجنّة تأسيسية مؤلفة من أشخاص ينتمون إلى نادي الترقّي، "لا يثير ذكر أسمائهم شكوك الحكومة، أو مخاوف أصحاب الزوايا" حتى يتم الاجتماع في هدوء وسلام، وتتحقق الغاية المرجوة من نجاح التأسيس.
اجتماع التأسيس بدأ بجلسة تمهيدية، عيّنوا فيها للرئاسة المؤقّتة الشيّخ "أبو يعلا الزواوي" وللكتابة الأستاذ "محمّد الأمين العمودي"، ووُضِعَ القانون الأساسي للجمعيّة الذي تمت صياغته من طرف الشّيخ "محمّد البشير الإبراهيميّ" في مائة وسبع وأربعين مادة أقرتّه الجمعيّة العامة بالإجماع بعد إجراء تعديلات بسيطة عليه. كما تم انتخاب الشّيخ ابن باديس - غيابياً - رئيساَ بالإضافة إلى باقي أعضاء مجلس إدارة الجمعيّة، وقاموا باستدعاءه لحضور الاجتماع العام.
وبعد يومين حضر الشّيخ ابن باديس إلى نادي الترقّي وترأس جلسة لهيئة الإدارة ألقى فيها كلمة جاء فيها : « إخواني، إنني قد تخلفت عن جمعكم العظيم اليوم الأول والثاني فحرمت خيراً كثيراً، وتحملت إثماً كبيراً، ولعلكم تعذرونني لما لحقت في اليوم الثالث، وأذكر لحضراتكم ما تعلمونه من قصة أبي خيثمة الأنصاري لما تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك ثم لحقه فقال الناس هذا راكب يرفعه الإل ويضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كن أبا خيثمة ، فقالوا : هو أبو خيثمة، فاعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل عذره ودعا له بخير. ومثلكم من كان له في رسول الله صلى الله عليه وسلم القد وة الحسنة ». ثم عرضت عليه الأعمال السابقة فوافق عليها.
هكذا تأسست الجمعيّة، وتشكل مجلسها الإداري المنبثق عن الاجتماع التأسيسي، على النحو التالي :عبد الحميد بن باديس رئيساً،محمّد البشير الإبراهيميّ نائباً عنه،محمّد الأمين العمودي كاتباً عاماً،الطّيّب العقبيّ نائباً للكاتب العام،مبارك الميلي أميناً للمال،إبراهيم بيوض نائباً لأمين المال.
وضمت الهيئة أعضاء مستشارين: المولود الحافظي، الطيب المهاجي، السعيد اليجري، مولاي بن الشريف، حسن الطرابلسي، عبد القادر القاسمي، محمّد الفضيل اليراتني.
الظروف التي تأسست فيها الجمعيّة :
- مرور قرن كامل على الاحتلال الفرنسيّ للجزائر (1830 – 1930 م)، واحتفال الفرنسيين بذلك، بحضور الرئيس الفرنسيّ خصيصا إلى الجزائر لرئاسة الاحتفالات المذكورة التي اتخذت صورة استفزازية بالنسبة لمشاعر الجزائريّين، وقد دلت خطب المسؤولين الفرنسيين في هذه الاحتفالات على روحهم الصليبية المتطرفة التي يكنونها للعروبة والإسلام في الجزائر.
- اشتداد تأثير الطرقيين وازدياد نشاطهم في البلاد، فلم يكن المجتمع يرى الإسلام إلا الطرقية التي جعلت منها سلطات الاحتلال مراصد لبث فكر تخديري، ومعتقدات فاسدة تزيد من قابلية المجتمع للاستعمار.
- شيوع الجهل بين عامّة الجزائريّين بسبب سياسة الاستعمار اتجاه التعليم التي تسببت في اختفاء الكثير من المساجد والزوايا والكتاتيب القرآنية ومدارس التعليم، ومنع تعليم اللغة العربية والدين مما أدى إلى ارتفاع نسبة الأمية بين عامّة الجزائريّين.
أركان الجمعيّة :
كتب الشيخ عبد الحميد بن باديس في العدد 83 من جريدة البصائر الصادرة في 30 سبتمبر 1937 يقول : العروبة، والإسلام, الفضيلة، هذه أركان نهضتنا، وأركان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي هي مبعث حياتنا، ورمز نهضتنا، فمازالت هذه الجمعية منذ كانت تفقهنا في الدين، وتعلمنا اللغة، وتنيرنا بالعلم، وتحلينا بالأخلاق الإسلامية العالية، وتحفظ علينا جنسيتنا، وقوميتنا، وتربطنا بوطنيتنا الإسلامية الصادقة.
أهداف الجمعيّة :
حددت جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين الأهداف التي ترمي إلى تحقيقها في منشور للجمعيّة نشره الشّيخ ابن باديس في جريدة البصائر في العدد 160 الصادر بتاريخ 07 أبريل عام 1939 م، وتشمل أهدافها على التّعليم والتربية، وتطهير الإسلام من البدع والخرافات، وإيقاد شعلة الحماسة في القلوب بعد أن بذل الاحتلال جهده في إطفائها حتى تنهار مقاومة الجزائريّين، وإحياء الثقافة العربية ونشرها بعد أن عمل المستعمر على وأدها، والمحافظة على الشخصية الجزائرية بمقوماتها الحضارية والدينية والتاريخية، ومقاومة سياسة الاحتلال الرامية إلى القضاء عليها.
اولا:الجمعية والتعليم
لقد أدركت جمعية العلماء أهمية التربية والتعليم في تحقيق مقاصدها العقيدية والفكرية، فركّزت على إنشاء المدارس، وحثّ الأمة وتشجيعها على إرسال أبنائها إلى مدارسها، بغية تعليم وتثقيف أكبر عدد ممكن من الأبناء. وقد وجّهت الجمعية اهتمامها إلى التعليم المسجدي، إدراكًا منها بأن (المسجد والتعليم صنوان في الإسلام من يوم ظهـر الإسلام... فكما لا مسجد بدون صلاة، كذلك لا مسجد بدون تعليم).. وعليه، وضعت برامج واسعة لنشر التعليم الديني والعربي للصغار المبتدئين، وتكميل معلومات من درسوا باللسان الأجنبي، كما لم تحرم الكبار من دروس الوعظ والإرشاد، فشيّدت لذلك المدارس وفتحت النوادي لإلقاء المحاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة.
ولم يقتصر دور جمعية العلماء التربوي والتعليمي داخل الوطن فحسب، بل رافق أبناء الجزائر الذي هاجروا فقد تنبّهت الجمعية إلى الأخطار المحدقة بأولئك المهاجرين الـمُعَرَّضِين لخطر الذوبان في الحضارة الأوروبية، والابتعاد عن أصول دينهم، فأرسلت إليهم المعلمين والوعاظ والمرشدين، وأسست النوادي والمدارس لتعليم أبنائهم.
ثانيا:الجمعية وتعليم المرأة .
كان الجمود واقفا في سبيل المرأة ومانعًا من تعليمها، وقد عمدت جمعية العلماء إلى كسر السدود وإخراج المرأة من سجن الجهل إلى فضاء العلم مبنية أمرها على حقيقة وهي أن الأمة كالطائرة لا تطير إلا بجناحين، وجنحها هما الرجل والمرأة، فالأمة التي تخص الذكر بالتعليم تريد أن تطير بجناح واحد، فهي واقعة لا محالة. ولجمعية العلماء جولات موفقة في هذا الميدان، فالنساء أصبحن يشهدن دروسًا خاصةً بهن في الوعظ والإرشاد ويفهمن ما للمرأة وما عليها.
وقد سجلت مدارس جمعية العلماء نحو ثلاثة عشر ألف بنت شاركن الأولاد في السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية، ثم ينفردن ببرنامج محكم.
ثالثا:الجمعية والطرق الصوفية.
كما ذكرنا عند حديثنا عن نشأة جمعية العلماء، بأن مجلسها الإداري الأول لم يكن منقحًا ولا متجانس الأفكار، فقد ضمّ إلى جانب رجال الإصلاح، بعض الطرقيين ورجال الدين الرسميين، الذين أخفقوا في احتواء الجمعية وتصريفــها وفــق مصالحهم وأهوائهم، (فما أكملوا السنة الأولى حتى فرّوا من الجمعية، وناصبوها العداء، واستعانوا عليها بالظلمة، ورموها بالعظائم... ذلك لأنهم وجدوا كثيرًا من الآفات الاجتماعية التي تحاربها الجمعية، هم مصدرها، وهي مصدر عيشهم، ووجدوا قسمًا منها مما تُغْضِبُ محاربته سادتهم ومواليهم).
وبدعم من سلطات الاحتلال، تأسست (جمعية علماء السنة) في خريف سنة 1932م، تضم الطرقيين ورجال الدين الرسميين إضافة إلى بعض العلماء المأجورين، لمناهضة جمعية العلماء، ومناصبتها العداء.. ودعّموا حملتهم بإصدار بعض الصحف، منها (المعيار) و(الرشاد).
لم يكن الموقف الحازم الذي وقفته الجمعية تجاه انحرافات الطرقيين وليد نشـأتها، بل كان امتدادًا للنهج الذي سار عليه ابن باديس والمصلحون من قبل.
ولقد علمت الجمعية بعد التروي والتثبت، ودراسة أحوال الأمة ومنشئ أمراضها، (أن هذه الطرق المبتدعة في الإسلام، هي سبب تفرّق المسلمين... وأنها هي السبب الأكبر في ضلالهم في الدين والدنيا).. ويوضح لنا الشيخ الإبراهيمي الدوافع وراء محاربة ضلالات الطرقيين، فيقول: (ونعلم أننا حين نقاومها، نقاوم كل شرّ، وأننا حين نقضي عليها -إن شاء الله- نقضي على كل باطل ومنكر وضلال).
جمعية العلماء وثورة التحرير المجيدة
من المعلوم أن جمعية العلماء كانت إلى جانب مهمتها في التربية الدينية والثقافية وتغلغلها في أوساط الشعب، تطالب دائما وبإلحاح من الإدارة الاستعمارية الجاثمة على الدين الإسلامي بتحرير المسـاجد والأوقـاف والقضاء الإسـلامي وترسيم اللغة العربية.
وبما أن هذه المطالب قد واجهت آذانا صماء، لا تريد الاعتراف بالحق لأصحابه، وهو أمر ليس غريبا من عدو جاء ليجرد الشعب الجزائري من جميع مقوماته : من دين ولغة، ليتمكن في النهاية من تدميره، ومحقه ككيان مستقل له هويته، لقد أدى هذا الموقف المعتمد من الحكومة الفرنسية إلى أن أصدر مكتبها بلاغا في 18 جوان 1945 أعلن فيه : { أن الأمة قد يئست من الحكومة ومن المجلس الجزائري المدلس، ومن عدالة الدولة في هذه القضية، وأن المحاولات العديدة التي حاولتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قصد الوصول إلى حل موفق معقول لهذا المشكل لم تأت بنتيجة... والمكتب يعتقد على ضوء الحوادث، وقياسا على كل ما وقع أن هذه القضية الدينية لا تجد لها حلا عادلا إلا ضمن حل كامل للقضية الجزائرية التي هي وحدة لا تتجزأ، وأن الأمة الجزائرية يجب عليها في الساعة الحاضرة وفي مستقبل الأيام أن تتوجه بكليتها لمحاولة حل قضيتها العامة، حلا عادلا يتناسب مع التطور العالمي الحديث }.
وقد سبق للأمام عبد الحميد بن باديس سنة 1936 مخاطيا للشباب الجزائري في نشيده المشهور :
شَعْبُ الجَزَائِري مُسْلِمٌ وَإلَى الْعُروبَةِ يَنْتَسِبْ
إلى أن دعا إلى إعلان الحرب على الظالمين ومحاربتهم في قوله :
وَأذقْ نُفوسَ الظَّالمِيـــنَ السُّمَّ يُمْزَجُ بِالرَّهَبْ
وندد بالخائنين :
وَأقْلَعْ جُذورَ الخائِنيـــنَ فَمنهُمْ كُلَّ العَطَبْ
واستنهض الهمم :
واهزُزْ نُفوسَ الجامدِيــنَ فَربَّمَا حَيّ الخَشَبْ
وقد سلكت هذا السبيل في مقال نشر بالبصائر في العدد 36 السلسلة الثانية سنة 1948 تحت عنوان : {الإسلام شريعة الجهاد والاجتهاد } أكدت فيه (.. أن الجهاد لا يقوم إلا على حرية، وتلك الحرية لا يجلبها إلا الجهاد... إذ أنه في ترك الجهاد تمكين للاضطهاد، والاستعباد، كما أن في إبطـال الاجتهـاد تقتيلا للمواهب يعقبه تعطيل للشريعة نفسها).
ولما اندلعت ثورة التحرير المظفرة، نشر الشيخ الفضيل الورتلاني رئيس مكتب الجمعية بالقاهرة بلاغا في 02 نوفمبر 1954 أعلن فيه تأييد الجمعية للثورة، ودعا فيه الشعب الجزائري لخوض معركة الجهاد التي يفرضها عليه دينه وماضيه وكرامته.
ومن جهة أخرى وجه المرحوم الشيخ الفضيل الورتيلاني :
أولا :نداء إلى الحكومة الفرنسية والشعب الفرنسي منددا فيه بسياسة فرنسا التي تعمى عن الحقائق وتتنكر لمطالب الشعب الجزائري.
ثانيا : نداء إلى أبناء المغرب العربي يدعوهم إلى الاتحاد وتدعيم الصفوف وتأييد الثورة الجزائرية.
ثالثا : نداء إلى الشعوب العربية والإسلامية يدعوهم إلى نجدة إخوانهم الجزائريين وتدعيمهم ماديا ومعنويا ودبلوماسيا.
وفي 15 نوفمبر 1954 وجه كل من الإمام الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ الفضيل الورتلاني نداء للشعب الجزائري يذكِّرَانِهِ فيه بمساوئ الاستعمار الفرنسي في الجزائر ويحثانه على خوض معركة الكفاح المسلح دون تردد، ودائما في إطار تعبئة الشعب الجزائري لنصرة ثورته والعمل على دحر عدوه، تم في القاهرة في 17 فبراير 1955، التوقيع على ميثاق جبهة التحرير الوطني من قبل: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والفضيل الورتيلاني, وأحمد مزغنة، ومحمد خيضر، وحسين آيت أحمد ومحمد يزيد والشاذلي المكي، وحسين لحول، وأحمد بن بلة، وأحمد بيوض أعلنوا فيه:
{أن المنظمات والأحزاب في الجزائر تشكل كتلة واحدة وجبهة في معركة التحرير والكفاح المسلح للشعب الجزائري ضد العدو المحتل وذلك بجميع الوسائل }.
وقد انخرط أعضاء الجمعية في الخارج جنبا إلى جنب مع إخوانهم، أما في الداخل فما إن اندلعت الثورة حتى راح طلبة معهد ابن باديس يلتحقون بصفوف الجهاد باذلين الأرواح الزكية من أجل الوطن، بينما أساتذة المعهد ومعلمو المدارس الحرة قد انخرطوا في الخلايا السرية لجبهة التحرير الوطني، وفي صفوف جيش التحرير.
ومن بين الشهداء العلماء نذكر الإمام الشيخ العربي التبسي رئيس الجمعية بالنيابة واليمين العمودي الأمين العام السابق للجمعية ورضا حوحو الكاتب العام لمعهد ابن باديس ومحمد العدوي والشاعرين عبد الكريم العقون والربيع بوشامة والشيخ العربي الشريف وغيرهم كثيرون بذلوا دماء سخية في سبيل حرية الجزائر وكرامتها واستعادة هويتها العربية الإسلامية كاملة غير منقوصة.
وهكذا فإن الجمعية قد أدت مهمتها التي فرضها الله والوطن عليها في الإطار العام للحركة الوطنية الجزائرية قبل الثورة المسلحة وأثناءها، وهي الآن ما زالت قائمة تواصل رسالتها نحو الإسلام الهادي إلى سواء السبيل في كل عصر وفي كل مصر.
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
« في: اليوم في 02:54:21 »
--------------------------------------------------------------------------------
« إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جمعية إسلامية في سيرها وأعمالها، جزائرية في مدارها وأوضاعها، علمية في مبدئها وغايتها، أسست لغرض شريف، تستدعيه ضرورة هذا الوطن وطبيعة أهله، ويستلزمه تاريخهم الممتد في القدم إلى قرون وأجيال، وهذا الغرض هو تعليم الدين ولغة العرب التي هي لسانه المعبر عن حقائقه للكبار في المساجد التي هي بيوت الله وللصغار في المدارس على وفق أنظمة لا تصادم قانونا جاريا ولا تزاحم نظاما ما رسميا ولا تضر مصلحة أحد، ولا تسيء إلى سمعته فجميع أعمالها دائرة على الدين، والدين عقيدة، اتفقت جميع أمم الحضارة على حمايتها وعلى التعليم والتعليم مهنة، اتفقت جميع قوانين الحضارة على احترامها وإكبار أهلها ».
منشور لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين نشر في جريدة البصائر عدد 160 الصادرة في 07 أبريل 1939.
فكرة التأسيس :
تعود فكرة تأسيس هيئة تجمع شمل العلماء المسلمين الجزائريّين عند الشّيخ عبد الحميد بن باديس إلى فترة إقامته بالمدينة المنوّرة عندما كان يتناقش ويدرس مع رفيق الدرب الشّيخ "محمّد البشير الإبراهيميّ" أوضاع الجزائر، وسبيل النهضة الشاملة. وفي ذلك يقول الشّيخ الإبراهيميّ : « وَأشْهِدُ الله على أن تلك الليالي من عام 1913 هي التي وضعت فيها الأسس الأولة لجمعيّة العلماء المسلمين والتي لم تبرز للوجود إلا عام 1931 ».
لقد تأكد للشّيخ ابن باديس بعد رجوعه من الحجاز، أن خدمة الوطن ونهضته لا يمكن أن يقوم بها شخص واحد، لذلك كان من الطبيعي أن يتطلع إلى توسيع الخطة الإصلاحية التي شرع في تنفيذها بتعليم الناس وإرشادهم وتصحيح أمور دينهم، واستنهاض همم العلماء إلى تأسيس الهيئات التي تشد عضده، وتعينه على أداء مهمته، فباشر منذ عام 1920 م بعقد لقاءات مع الشّيخ "محمّد البشير الإبراهيميّ" في كل أسبوعين أو كل شهر على الأكثر تارة في سطيف، وأخرى في قسنطينة، لتقيم نشاطهم وأثره على الشعب ووضع برنامج للمستقبل وتهيئة الظروف لإخراج جمعيّة تجمع شمل العلماء من حيّز القول إلى حيّز الفعل.
التأسيس :
تأسست "جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين" بعد عام من الاحتفال بمضي قرن على احتلال الفرنسيين للجزائر (1349 ه /1930 م)، وذلك يوم الثلاثاء 17 من شهر ذي الحجة عام 1349 ه الموافق لـ05 من ماي 1931 م في اجتماع بنادي الترقّي لاثنان وسبعون من علماء القطر الجزائري ومن شتى الاتجاهات الدينية والمذهبية (مالكيين واباضيين، مصلحين وطرقيين، موظفين وغير موظفين)، كما حضر الاجتماع الأعيان وطلبة العلم، بدعوة خاصّة وجهتها لهم لجنّة تأسيسية مؤلفة من أشخاص ينتمون إلى نادي الترقّي، "لا يثير ذكر أسمائهم شكوك الحكومة، أو مخاوف أصحاب الزوايا" حتى يتم الاجتماع في هدوء وسلام، وتتحقق الغاية المرجوة من نجاح التأسيس.
اجتماع التأسيس بدأ بجلسة تمهيدية، عيّنوا فيها للرئاسة المؤقّتة الشيّخ "أبو يعلا الزواوي" وللكتابة الأستاذ "محمّد الأمين العمودي"، ووُضِعَ القانون الأساسي للجمعيّة الذي تمت صياغته من طرف الشّيخ "محمّد البشير الإبراهيميّ" في مائة وسبع وأربعين مادة أقرتّه الجمعيّة العامة بالإجماع بعد إجراء تعديلات بسيطة عليه. كما تم انتخاب الشّيخ ابن باديس - غيابياً - رئيساَ بالإضافة إلى باقي أعضاء مجلس إدارة الجمعيّة، وقاموا باستدعاءه لحضور الاجتماع العام.
وبعد يومين حضر الشّيخ ابن باديس إلى نادي الترقّي وترأس جلسة لهيئة الإدارة ألقى فيها كلمة جاء فيها : « إخواني، إنني قد تخلفت عن جمعكم العظيم اليوم الأول والثاني فحرمت خيراً كثيراً، وتحملت إثماً كبيراً، ولعلكم تعذرونني لما لحقت في اليوم الثالث، وأذكر لحضراتكم ما تعلمونه من قصة أبي خيثمة الأنصاري لما تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك ثم لحقه فقال الناس هذا راكب يرفعه الإل ويضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كن أبا خيثمة ، فقالوا : هو أبو خيثمة، فاعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل عذره ودعا له بخير. ومثلكم من كان له في رسول الله صلى الله عليه وسلم القد وة الحسنة ». ثم عرضت عليه الأعمال السابقة فوافق عليها.
هكذا تأسست الجمعيّة، وتشكل مجلسها الإداري المنبثق عن الاجتماع التأسيسي، على النحو التالي :عبد الحميد بن باديس رئيساً،محمّد البشير الإبراهيميّ نائباً عنه،محمّد الأمين العمودي كاتباً عاماً،الطّيّب العقبيّ نائباً للكاتب العام،مبارك الميلي أميناً للمال،إبراهيم بيوض نائباً لأمين المال.
وضمت الهيئة أعضاء مستشارين: المولود الحافظي، الطيب المهاجي، السعيد اليجري، مولاي بن الشريف، حسن الطرابلسي، عبد القادر القاسمي، محمّد الفضيل اليراتني.
منظر للعلماء المؤسسين
الظروف التي تأسست فيها الجمعيّة :
- مرور قرن كامل على الاحتلال الفرنسيّ للجزائر (1830 – 1930 م)، واحتفال الفرنسيين بذلك، بحضور الرئيس الفرنسيّ خصيصا إلى الجزائر لرئاسة الاحتفالات المذكورة التي اتخذت صورة استفزازية بالنسبة لمشاعر الجزائريّين، وقد دلت خطب المسؤولين الفرنسيين في هذه الاحتفالات على روحهم الصليبية المتطرفة التي يكنونها للعروبة والإسلام في الجزائر.
- اشتداد تأثير الطرقيين وازدياد نشاطهم في البلاد، فلم يكن المجتمع يرى الإسلام إلا الطرقية التي جعلت منها سلطات الاحتلال مراصد لبث فكر تخديري، ومعتقدات فاسدة تزيد من قابلية المجتمع للاستعمار.
- شيوع الجهل بين عامّة الجزائريّين بسبب سياسة الاستعمار اتجاه التعليم التي تسببت في اختفاء الكثير من المساجد والزوايا والكتاتيب القرآنية ومدارس التعليم، ومنع تعليم اللغة العربية والدين مما أدى إلى ارتفاع نسبة الأمية بين عامّة الجزائريّين.
أركان الجمعيّة :
كتب الشيخ عبد الحميد بن باديس في العدد 83 من جريدة البصائر الصادرة في 30 سبتمبر 1937 يقول : العروبة، والإسلام, الفضيلة، هذه أركان نهضتنا، وأركان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي هي مبعث حياتنا، ورمز نهضتنا، فمازالت هذه الجمعية منذ كانت تفقهنا في الدين، وتعلمنا اللغة، وتنيرنا بالعلم، وتحلينا بالأخلاق الإسلامية العالية، وتحفظ علينا جنسيتنا، وقوميتنا، وتربطنا بوطنيتنا الإسلامية الصادقة.
أهداف الجمعيّة :
حددت جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين الأهداف التي ترمي إلى تحقيقها في منشور للجمعيّة نشره الشّيخ ابن باديس في جريدة البصائر في العدد 160 الصادر بتاريخ 07 أبريل عام 1939 م، وتشمل أهدافها على التّعليم والتربية، وتطهير الإسلام من البدع والخرافات، وإيقاد شعلة الحماسة في القلوب بعد أن بذل الاحتلال جهده في إطفائها حتى تنهار مقاومة الجزائريّين، وإحياء الثقافة العربية ونشرها بعد أن عمل المستعمر على وأدها، والمحافظة على الشخصية الجزائرية بمقوماتها الحضارية والدينية والتاريخية، ومقاومة سياسة الاحتلال الرامية إلى القضاء عليها.
اولا:الجمعية والتعليم
لقد أدركت جمعية العلماء أهمية التربية والتعليم في تحقيق مقاصدها العقيدية والفكرية، فركّزت على إنشاء المدارس، وحثّ الأمة وتشجيعها على إرسال أبنائها إلى مدارسها، بغية تعليم وتثقيف أكبر عدد ممكن من الأبناء. وقد وجّهت الجمعية اهتمامها إلى التعليم المسجدي، إدراكًا منها بأن (المسجد والتعليم صنوان في الإسلام من يوم ظهـر الإسلام... فكما لا مسجد بدون صلاة، كذلك لا مسجد بدون تعليم).. وعليه، وضعت برامج واسعة لنشر التعليم الديني والعربي للصغار المبتدئين، وتكميل معلومات من درسوا باللسان الأجنبي، كما لم تحرم الكبار من دروس الوعظ والإرشاد، فشيّدت لذلك المدارس وفتحت النوادي لإلقاء المحاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة.
ولم يقتصر دور جمعية العلماء التربوي والتعليمي داخل الوطن فحسب، بل رافق أبناء الجزائر الذي هاجروا فقد تنبّهت الجمعية إلى الأخطار المحدقة بأولئك المهاجرين الـمُعَرَّضِين لخطر الذوبان في الحضارة الأوروبية، والابتعاد عن أصول دينهم، فأرسلت إليهم المعلمين والوعاظ والمرشدين، وأسست النوادي والمدارس لتعليم أبنائهم.
ثانيا:الجمعية وتعليم المرأة .
كان الجمود واقفا في سبيل المرأة ومانعًا من تعليمها، وقد عمدت جمعية العلماء إلى كسر السدود وإخراج المرأة من سجن الجهل إلى فضاء العلم مبنية أمرها على حقيقة وهي أن الأمة كالطائرة لا تطير إلا بجناحين، وجنحها هما الرجل والمرأة، فالأمة التي تخص الذكر بالتعليم تريد أن تطير بجناح واحد، فهي واقعة لا محالة. ولجمعية العلماء جولات موفقة في هذا الميدان، فالنساء أصبحن يشهدن دروسًا خاصةً بهن في الوعظ والإرشاد ويفهمن ما للمرأة وما عليها.
وقد سجلت مدارس جمعية العلماء نحو ثلاثة عشر ألف بنت شاركن الأولاد في السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية، ثم ينفردن ببرنامج محكم.
ثالثا:الجمعية والطرق الصوفية.
كما ذكرنا عند حديثنا عن نشأة جمعية العلماء، بأن مجلسها الإداري الأول لم يكن منقحًا ولا متجانس الأفكار، فقد ضمّ إلى جانب رجال الإصلاح، بعض الطرقيين ورجال الدين الرسميين، الذين أخفقوا في احتواء الجمعية وتصريفــها وفــق مصالحهم وأهوائهم، (فما أكملوا السنة الأولى حتى فرّوا من الجمعية، وناصبوها العداء، واستعانوا عليها بالظلمة، ورموها بالعظائم... ذلك لأنهم وجدوا كثيرًا من الآفات الاجتماعية التي تحاربها الجمعية، هم مصدرها، وهي مصدر عيشهم، ووجدوا قسمًا منها مما تُغْضِبُ محاربته سادتهم ومواليهم).
وبدعم من سلطات الاحتلال، تأسست (جمعية علماء السنة) في خريف سنة 1932م، تضم الطرقيين ورجال الدين الرسميين إضافة إلى بعض العلماء المأجورين، لمناهضة جمعية العلماء، ومناصبتها العداء.. ودعّموا حملتهم بإصدار بعض الصحف، منها (المعيار) و(الرشاد).
لم يكن الموقف الحازم الذي وقفته الجمعية تجاه انحرافات الطرقيين وليد نشـأتها، بل كان امتدادًا للنهج الذي سار عليه ابن باديس والمصلحون من قبل.
ولقد علمت الجمعية بعد التروي والتثبت، ودراسة أحوال الأمة ومنشئ أمراضها، (أن هذه الطرق المبتدعة في الإسلام، هي سبب تفرّق المسلمين... وأنها هي السبب الأكبر في ضلالهم في الدين والدنيا).. ويوضح لنا الشيخ الإبراهيمي الدوافع وراء محاربة ضلالات الطرقيين، فيقول: (ونعلم أننا حين نقاومها، نقاوم كل شرّ، وأننا حين نقضي عليها -إن شاء الله- نقضي على كل باطل ومنكر وضلال).
جمعية العلماء وثورة التحرير المجيدة
من المعلوم أن جمعية العلماء كانت إلى جانب مهمتها في التربية الدينية والثقافية وتغلغلها في أوساط الشعب، تطالب دائما وبإلحاح من الإدارة الاستعمارية الجاثمة على الدين الإسلامي بتحرير المسـاجد والأوقـاف والقضاء الإسـلامي وترسيم اللغة العربية.
وبما أن هذه المطالب قد واجهت آذانا صماء، لا تريد الاعتراف بالحق لأصحابه، وهو أمر ليس غريبا من عدو جاء ليجرد الشعب الجزائري من جميع مقوماته : من دين ولغة، ليتمكن في النهاية من تدميره، ومحقه ككيان مستقل له هويته، لقد أدى هذا الموقف المعتمد من الحكومة الفرنسية إلى أن أصدر مكتبها بلاغا في 18 جوان 1945 أعلن فيه : { أن الأمة قد يئست من الحكومة ومن المجلس الجزائري المدلس، ومن عدالة الدولة في هذه القضية، وأن المحاولات العديدة التي حاولتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قصد الوصول إلى حل موفق معقول لهذا المشكل لم تأت بنتيجة... والمكتب يعتقد على ضوء الحوادث، وقياسا على كل ما وقع أن هذه القضية الدينية لا تجد لها حلا عادلا إلا ضمن حل كامل للقضية الجزائرية التي هي وحدة لا تتجزأ، وأن الأمة الجزائرية يجب عليها في الساعة الحاضرة وفي مستقبل الأيام أن تتوجه بكليتها لمحاولة حل قضيتها العامة، حلا عادلا يتناسب مع التطور العالمي الحديث }.
وقد سبق للأمام عبد الحميد بن باديس سنة 1936 مخاطيا للشباب الجزائري في نشيده المشهور :
شَعْبُ الجَزَائِري مُسْلِمٌ وَإلَى الْعُروبَةِ يَنْتَسِبْ
إلى أن دعا إلى إعلان الحرب على الظالمين ومحاربتهم في قوله :
وَأذقْ نُفوسَ الظَّالمِيـــنَ السُّمَّ يُمْزَجُ بِالرَّهَبْ
وندد بالخائنين :
وَأقْلَعْ جُذورَ الخائِنيـــنَ فَمنهُمْ كُلَّ العَطَبْ
واستنهض الهمم :
واهزُزْ نُفوسَ الجامدِيــنَ فَربَّمَا حَيّ الخَشَبْ
وقد سلكت هذا السبيل في مقال نشر بالبصائر في العدد 36 السلسلة الثانية سنة 1948 تحت عنوان : {الإسلام شريعة الجهاد والاجتهاد } أكدت فيه (.. أن الجهاد لا يقوم إلا على حرية، وتلك الحرية لا يجلبها إلا الجهاد... إذ أنه في ترك الجهاد تمكين للاضطهاد، والاستعباد، كما أن في إبطـال الاجتهـاد تقتيلا للمواهب يعقبه تعطيل للشريعة نفسها).
ولما اندلعت ثورة التحرير المظفرة، نشر الشيخ الفضيل الورتلاني رئيس مكتب الجمعية بالقاهرة بلاغا في 02 نوفمبر 1954 أعلن فيه تأييد الجمعية للثورة، ودعا فيه الشعب الجزائري لخوض معركة الجهاد التي يفرضها عليه دينه وماضيه وكرامته.
ومن جهة أخرى وجه المرحوم الشيخ الفضيل الورتيلاني :
أولا :نداء إلى الحكومة الفرنسية والشعب الفرنسي منددا فيه بسياسة فرنسا التي تعمى عن الحقائق وتتنكر لمطالب الشعب الجزائري.
ثانيا : نداء إلى أبناء المغرب العربي يدعوهم إلى الاتحاد وتدعيم الصفوف وتأييد الثورة الجزائرية.
ثالثا : نداء إلى الشعوب العربية والإسلامية يدعوهم إلى نجدة إخوانهم الجزائريين وتدعيمهم ماديا ومعنويا ودبلوماسيا.
وفي 15 نوفمبر 1954 وجه كل من الإمام الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ الفضيل الورتلاني نداء للشعب الجزائري يذكِّرَانِهِ فيه بمساوئ الاستعمار الفرنسي في الجزائر ويحثانه على خوض معركة الكفاح المسلح دون تردد، ودائما في إطار تعبئة الشعب الجزائري لنصرة ثورته والعمل على دحر عدوه، تم في القاهرة في 17 فبراير 1955، التوقيع على ميثاق جبهة التحرير الوطني من قبل: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والفضيل الورتيلاني, وأحمد مزغنة، ومحمد خيضر، وحسين آيت أحمد ومحمد يزيد والشاذلي المكي، وحسين لحول، وأحمد بن بلة، وأحمد بيوض أعلنوا فيه:
{أن المنظمات والأحزاب في الجزائر تشكل كتلة واحدة وجبهة في معركة التحرير والكفاح المسلح للشعب الجزائري ضد العدو المحتل وذلك بجميع الوسائل }.
وقد انخرط أعضاء الجمعية في الخارج جنبا إلى جنب مع إخوانهم، أما في الداخل فما إن اندلعت الثورة حتى راح طلبة معهد ابن باديس يلتحقون بصفوف الجهاد باذلين الأرواح الزكية من أجل الوطن، بينما أساتذة المعهد ومعلمو المدارس الحرة قد انخرطوا في الخلايا السرية لجبهة التحرير الوطني، وفي صفوف جيش التحرير.
ومن بين الشهداء العلماء نذكر الإمام الشيخ العربي التبسي رئيس الجمعية بالنيابة واليمين العمودي الأمين العام السابق للجمعية ورضا حوحو الكاتب العام لمعهد ابن باديس ومحمد العدوي والشاعرين عبد الكريم العقون والربيع بوشامة والشيخ العربي الشريف وغيرهم كثيرون بذلوا دماء سخية في سبيل حرية الجزائر وكرامتها واستعادة هويتها العربية الإسلامية كاملة غير منقوصة.
وهكذا فإن الجمعية قد أدت مهمتها التي فرضها الله والوطن عليها في الإطار العام للحركة الوطنية الجزائرية قبل الثورة المسلحة وأثناءها، وهي الآن ما زالت قائمة تواصل رسالتها نحو الإسلام الهادي إلى سواء السبيل في كل عصر وفي كل مصر.
اهم المراجع : موقع الشيخ عبد الحميد بن باديس.
موقع مجلة البصائر.
موقع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
منشور لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين نشر في جريدة البصائر عدد 160 الصادرة في 07 أبريل 1939.
فكرة التأسيس :
تعود فكرة تأسيس هيئة تجمع شمل العلماء المسلمين الجزائريّين عند الشّيخ عبد الحميد بن باديس إلى فترة إقامته بالمدينة المنوّرة عندما كان يتناقش ويدرس مع رفيق الدرب الشّيخ "محمّد البشير الإبراهيميّ" أوضاع الجزائر، وسبيل النهضة الشاملة. وفي ذلك يقول الشّيخ الإبراهيميّ : « وَأشْهِدُ الله على أن تلك الليالي من عام 1913 هي التي وضعت فيها الأسس الأولة لجمعيّة العلماء المسلمين والتي لم تبرز للوجود إلا عام 1931 ».
لقد تأكد للشّيخ ابن باديس بعد رجوعه من الحجاز، أن خدمة الوطن ونهضته لا يمكن أن يقوم بها شخص واحد، لذلك كان من الطبيعي أن يتطلع إلى توسيع الخطة الإصلاحية التي شرع في تنفيذها بتعليم الناس وإرشادهم وتصحيح أمور دينهم، واستنهاض همم العلماء إلى تأسيس الهيئات التي تشد عضده، وتعينه على أداء مهمته، فباشر منذ عام 1920 م بعقد لقاءات مع الشّيخ "محمّد البشير الإبراهيميّ" في كل أسبوعين أو كل شهر على الأكثر تارة في سطيف، وأخرى في قسنطينة، لتقيم نشاطهم وأثره على الشعب ووضع برنامج للمستقبل وتهيئة الظروف لإخراج جمعيّة تجمع شمل العلماء من حيّز القول إلى حيّز الفعل.
التأسيس :
تأسست "جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين" بعد عام من الاحتفال بمضي قرن على احتلال الفرنسيين للجزائر (1349 ه /1930 م)، وذلك يوم الثلاثاء 17 من شهر ذي الحجة عام 1349 ه الموافق لـ05 من ماي 1931 م في اجتماع بنادي الترقّي لاثنان وسبعون من علماء القطر الجزائري ومن شتى الاتجاهات الدينية والمذهبية (مالكيين واباضيين، مصلحين وطرقيين، موظفين وغير موظفين)، كما حضر الاجتماع الأعيان وطلبة العلم، بدعوة خاصّة وجهتها لهم لجنّة تأسيسية مؤلفة من أشخاص ينتمون إلى نادي الترقّي، "لا يثير ذكر أسمائهم شكوك الحكومة، أو مخاوف أصحاب الزوايا" حتى يتم الاجتماع في هدوء وسلام، وتتحقق الغاية المرجوة من نجاح التأسيس.
اجتماع التأسيس بدأ بجلسة تمهيدية، عيّنوا فيها للرئاسة المؤقّتة الشيّخ "أبو يعلا الزواوي" وللكتابة الأستاذ "محمّد الأمين العمودي"، ووُضِعَ القانون الأساسي للجمعيّة الذي تمت صياغته من طرف الشّيخ "محمّد البشير الإبراهيميّ" في مائة وسبع وأربعين مادة أقرتّه الجمعيّة العامة بالإجماع بعد إجراء تعديلات بسيطة عليه. كما تم انتخاب الشّيخ ابن باديس - غيابياً - رئيساَ بالإضافة إلى باقي أعضاء مجلس إدارة الجمعيّة، وقاموا باستدعاءه لحضور الاجتماع العام.
وبعد يومين حضر الشّيخ ابن باديس إلى نادي الترقّي وترأس جلسة لهيئة الإدارة ألقى فيها كلمة جاء فيها : « إخواني، إنني قد تخلفت عن جمعكم العظيم اليوم الأول والثاني فحرمت خيراً كثيراً، وتحملت إثماً كبيراً، ولعلكم تعذرونني لما لحقت في اليوم الثالث، وأذكر لحضراتكم ما تعلمونه من قصة أبي خيثمة الأنصاري لما تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك ثم لحقه فقال الناس هذا راكب يرفعه الإل ويضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كن أبا خيثمة ، فقالوا : هو أبو خيثمة، فاعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل عذره ودعا له بخير. ومثلكم من كان له في رسول الله صلى الله عليه وسلم القد وة الحسنة ». ثم عرضت عليه الأعمال السابقة فوافق عليها.
هكذا تأسست الجمعيّة، وتشكل مجلسها الإداري المنبثق عن الاجتماع التأسيسي، على النحو التالي :عبد الحميد بن باديس رئيساً،محمّد البشير الإبراهيميّ نائباً عنه،محمّد الأمين العمودي كاتباً عاماً،الطّيّب العقبيّ نائباً للكاتب العام،مبارك الميلي أميناً للمال،إبراهيم بيوض نائباً لأمين المال.
وضمت الهيئة أعضاء مستشارين: المولود الحافظي، الطيب المهاجي، السعيد اليجري، مولاي بن الشريف، حسن الطرابلسي، عبد القادر القاسمي، محمّد الفضيل اليراتني.
الظروف التي تأسست فيها الجمعيّة :
- مرور قرن كامل على الاحتلال الفرنسيّ للجزائر (1830 – 1930 م)، واحتفال الفرنسيين بذلك، بحضور الرئيس الفرنسيّ خصيصا إلى الجزائر لرئاسة الاحتفالات المذكورة التي اتخذت صورة استفزازية بالنسبة لمشاعر الجزائريّين، وقد دلت خطب المسؤولين الفرنسيين في هذه الاحتفالات على روحهم الصليبية المتطرفة التي يكنونها للعروبة والإسلام في الجزائر.
- اشتداد تأثير الطرقيين وازدياد نشاطهم في البلاد، فلم يكن المجتمع يرى الإسلام إلا الطرقية التي جعلت منها سلطات الاحتلال مراصد لبث فكر تخديري، ومعتقدات فاسدة تزيد من قابلية المجتمع للاستعمار.
- شيوع الجهل بين عامّة الجزائريّين بسبب سياسة الاستعمار اتجاه التعليم التي تسببت في اختفاء الكثير من المساجد والزوايا والكتاتيب القرآنية ومدارس التعليم، ومنع تعليم اللغة العربية والدين مما أدى إلى ارتفاع نسبة الأمية بين عامّة الجزائريّين.
أركان الجمعيّة :
كتب الشيخ عبد الحميد بن باديس في العدد 83 من جريدة البصائر الصادرة في 30 سبتمبر 1937 يقول : العروبة، والإسلام, الفضيلة، هذه أركان نهضتنا، وأركان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي هي مبعث حياتنا، ورمز نهضتنا، فمازالت هذه الجمعية منذ كانت تفقهنا في الدين، وتعلمنا اللغة، وتنيرنا بالعلم، وتحلينا بالأخلاق الإسلامية العالية، وتحفظ علينا جنسيتنا، وقوميتنا، وتربطنا بوطنيتنا الإسلامية الصادقة.
أهداف الجمعيّة :
حددت جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين الأهداف التي ترمي إلى تحقيقها في منشور للجمعيّة نشره الشّيخ ابن باديس في جريدة البصائر في العدد 160 الصادر بتاريخ 07 أبريل عام 1939 م، وتشمل أهدافها على التّعليم والتربية، وتطهير الإسلام من البدع والخرافات، وإيقاد شعلة الحماسة في القلوب بعد أن بذل الاحتلال جهده في إطفائها حتى تنهار مقاومة الجزائريّين، وإحياء الثقافة العربية ونشرها بعد أن عمل المستعمر على وأدها، والمحافظة على الشخصية الجزائرية بمقوماتها الحضارية والدينية والتاريخية، ومقاومة سياسة الاحتلال الرامية إلى القضاء عليها.
اولا:الجمعية والتعليم
لقد أدركت جمعية العلماء أهمية التربية والتعليم في تحقيق مقاصدها العقيدية والفكرية، فركّزت على إنشاء المدارس، وحثّ الأمة وتشجيعها على إرسال أبنائها إلى مدارسها، بغية تعليم وتثقيف أكبر عدد ممكن من الأبناء. وقد وجّهت الجمعية اهتمامها إلى التعليم المسجدي، إدراكًا منها بأن (المسجد والتعليم صنوان في الإسلام من يوم ظهـر الإسلام... فكما لا مسجد بدون صلاة، كذلك لا مسجد بدون تعليم).. وعليه، وضعت برامج واسعة لنشر التعليم الديني والعربي للصغار المبتدئين، وتكميل معلومات من درسوا باللسان الأجنبي، كما لم تحرم الكبار من دروس الوعظ والإرشاد، فشيّدت لذلك المدارس وفتحت النوادي لإلقاء المحاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة.
ولم يقتصر دور جمعية العلماء التربوي والتعليمي داخل الوطن فحسب، بل رافق أبناء الجزائر الذي هاجروا فقد تنبّهت الجمعية إلى الأخطار المحدقة بأولئك المهاجرين الـمُعَرَّضِين لخطر الذوبان في الحضارة الأوروبية، والابتعاد عن أصول دينهم، فأرسلت إليهم المعلمين والوعاظ والمرشدين، وأسست النوادي والمدارس لتعليم أبنائهم.
ثانيا:الجمعية وتعليم المرأة .
كان الجمود واقفا في سبيل المرأة ومانعًا من تعليمها، وقد عمدت جمعية العلماء إلى كسر السدود وإخراج المرأة من سجن الجهل إلى فضاء العلم مبنية أمرها على حقيقة وهي أن الأمة كالطائرة لا تطير إلا بجناحين، وجنحها هما الرجل والمرأة، فالأمة التي تخص الذكر بالتعليم تريد أن تطير بجناح واحد، فهي واقعة لا محالة. ولجمعية العلماء جولات موفقة في هذا الميدان، فالنساء أصبحن يشهدن دروسًا خاصةً بهن في الوعظ والإرشاد ويفهمن ما للمرأة وما عليها.
وقد سجلت مدارس جمعية العلماء نحو ثلاثة عشر ألف بنت شاركن الأولاد في السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية، ثم ينفردن ببرنامج محكم.
ثالثا:الجمعية والطرق الصوفية.
كما ذكرنا عند حديثنا عن نشأة جمعية العلماء، بأن مجلسها الإداري الأول لم يكن منقحًا ولا متجانس الأفكار، فقد ضمّ إلى جانب رجال الإصلاح، بعض الطرقيين ورجال الدين الرسميين، الذين أخفقوا في احتواء الجمعية وتصريفــها وفــق مصالحهم وأهوائهم، (فما أكملوا السنة الأولى حتى فرّوا من الجمعية، وناصبوها العداء، واستعانوا عليها بالظلمة، ورموها بالعظائم... ذلك لأنهم وجدوا كثيرًا من الآفات الاجتماعية التي تحاربها الجمعية، هم مصدرها، وهي مصدر عيشهم، ووجدوا قسمًا منها مما تُغْضِبُ محاربته سادتهم ومواليهم).
وبدعم من سلطات الاحتلال، تأسست (جمعية علماء السنة) في خريف سنة 1932م، تضم الطرقيين ورجال الدين الرسميين إضافة إلى بعض العلماء المأجورين، لمناهضة جمعية العلماء، ومناصبتها العداء.. ودعّموا حملتهم بإصدار بعض الصحف، منها (المعيار) و(الرشاد).
لم يكن الموقف الحازم الذي وقفته الجمعية تجاه انحرافات الطرقيين وليد نشـأتها، بل كان امتدادًا للنهج الذي سار عليه ابن باديس والمصلحون من قبل.
ولقد علمت الجمعية بعد التروي والتثبت، ودراسة أحوال الأمة ومنشئ أمراضها، (أن هذه الطرق المبتدعة في الإسلام، هي سبب تفرّق المسلمين... وأنها هي السبب الأكبر في ضلالهم في الدين والدنيا).. ويوضح لنا الشيخ الإبراهيمي الدوافع وراء محاربة ضلالات الطرقيين، فيقول: (ونعلم أننا حين نقاومها، نقاوم كل شرّ، وأننا حين نقضي عليها -إن شاء الله- نقضي على كل باطل ومنكر وضلال).
جمعية العلماء وثورة التحرير المجيدة
من المعلوم أن جمعية العلماء كانت إلى جانب مهمتها في التربية الدينية والثقافية وتغلغلها في أوساط الشعب، تطالب دائما وبإلحاح من الإدارة الاستعمارية الجاثمة على الدين الإسلامي بتحرير المسـاجد والأوقـاف والقضاء الإسـلامي وترسيم اللغة العربية.
وبما أن هذه المطالب قد واجهت آذانا صماء، لا تريد الاعتراف بالحق لأصحابه، وهو أمر ليس غريبا من عدو جاء ليجرد الشعب الجزائري من جميع مقوماته : من دين ولغة، ليتمكن في النهاية من تدميره، ومحقه ككيان مستقل له هويته، لقد أدى هذا الموقف المعتمد من الحكومة الفرنسية إلى أن أصدر مكتبها بلاغا في 18 جوان 1945 أعلن فيه : { أن الأمة قد يئست من الحكومة ومن المجلس الجزائري المدلس، ومن عدالة الدولة في هذه القضية، وأن المحاولات العديدة التي حاولتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قصد الوصول إلى حل موفق معقول لهذا المشكل لم تأت بنتيجة... والمكتب يعتقد على ضوء الحوادث، وقياسا على كل ما وقع أن هذه القضية الدينية لا تجد لها حلا عادلا إلا ضمن حل كامل للقضية الجزائرية التي هي وحدة لا تتجزأ، وأن الأمة الجزائرية يجب عليها في الساعة الحاضرة وفي مستقبل الأيام أن تتوجه بكليتها لمحاولة حل قضيتها العامة، حلا عادلا يتناسب مع التطور العالمي الحديث }.
وقد سبق للأمام عبد الحميد بن باديس سنة 1936 مخاطيا للشباب الجزائري في نشيده المشهور :
شَعْبُ الجَزَائِري مُسْلِمٌ وَإلَى الْعُروبَةِ يَنْتَسِبْ
إلى أن دعا إلى إعلان الحرب على الظالمين ومحاربتهم في قوله :
وَأذقْ نُفوسَ الظَّالمِيـــنَ السُّمَّ يُمْزَجُ بِالرَّهَبْ
وندد بالخائنين :
وَأقْلَعْ جُذورَ الخائِنيـــنَ فَمنهُمْ كُلَّ العَطَبْ
واستنهض الهمم :
واهزُزْ نُفوسَ الجامدِيــنَ فَربَّمَا حَيّ الخَشَبْ
وقد سلكت هذا السبيل في مقال نشر بالبصائر في العدد 36 السلسلة الثانية سنة 1948 تحت عنوان : {الإسلام شريعة الجهاد والاجتهاد } أكدت فيه (.. أن الجهاد لا يقوم إلا على حرية، وتلك الحرية لا يجلبها إلا الجهاد... إذ أنه في ترك الجهاد تمكين للاضطهاد، والاستعباد، كما أن في إبطـال الاجتهـاد تقتيلا للمواهب يعقبه تعطيل للشريعة نفسها).
ولما اندلعت ثورة التحرير المظفرة، نشر الشيخ الفضيل الورتلاني رئيس مكتب الجمعية بالقاهرة بلاغا في 02 نوفمبر 1954 أعلن فيه تأييد الجمعية للثورة، ودعا فيه الشعب الجزائري لخوض معركة الجهاد التي يفرضها عليه دينه وماضيه وكرامته.
ومن جهة أخرى وجه المرحوم الشيخ الفضيل الورتيلاني :
أولا :نداء إلى الحكومة الفرنسية والشعب الفرنسي منددا فيه بسياسة فرنسا التي تعمى عن الحقائق وتتنكر لمطالب الشعب الجزائري.
ثانيا : نداء إلى أبناء المغرب العربي يدعوهم إلى الاتحاد وتدعيم الصفوف وتأييد الثورة الجزائرية.
ثالثا : نداء إلى الشعوب العربية والإسلامية يدعوهم إلى نجدة إخوانهم الجزائريين وتدعيمهم ماديا ومعنويا ودبلوماسيا.
وفي 15 نوفمبر 1954 وجه كل من الإمام الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ الفضيل الورتلاني نداء للشعب الجزائري يذكِّرَانِهِ فيه بمساوئ الاستعمار الفرنسي في الجزائر ويحثانه على خوض معركة الكفاح المسلح دون تردد، ودائما في إطار تعبئة الشعب الجزائري لنصرة ثورته والعمل على دحر عدوه، تم في القاهرة في 17 فبراير 1955، التوقيع على ميثاق جبهة التحرير الوطني من قبل: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والفضيل الورتيلاني, وأحمد مزغنة، ومحمد خيضر، وحسين آيت أحمد ومحمد يزيد والشاذلي المكي، وحسين لحول، وأحمد بن بلة، وأحمد بيوض أعلنوا فيه:
{أن المنظمات والأحزاب في الجزائر تشكل كتلة واحدة وجبهة في معركة التحرير والكفاح المسلح للشعب الجزائري ضد العدو المحتل وذلك بجميع الوسائل }.
وقد انخرط أعضاء الجمعية في الخارج جنبا إلى جنب مع إخوانهم، أما في الداخل فما إن اندلعت الثورة حتى راح طلبة معهد ابن باديس يلتحقون بصفوف الجهاد باذلين الأرواح الزكية من أجل الوطن، بينما أساتذة المعهد ومعلمو المدارس الحرة قد انخرطوا في الخلايا السرية لجبهة التحرير الوطني، وفي صفوف جيش التحرير.
ومن بين الشهداء العلماء نذكر الإمام الشيخ العربي التبسي رئيس الجمعية بالنيابة واليمين العمودي الأمين العام السابق للجمعية ورضا حوحو الكاتب العام لمعهد ابن باديس ومحمد العدوي والشاعرين عبد الكريم العقون والربيع بوشامة والشيخ العربي الشريف وغيرهم كثيرون بذلوا دماء سخية في سبيل حرية الجزائر وكرامتها واستعادة هويتها العربية الإسلامية كاملة غير منقوصة.
وهكذا فإن الجمعية قد أدت مهمتها التي فرضها الله والوطن عليها في الإطار العام للحركة الوطنية الجزائرية قبل الثورة المسلحة وأثناءها، وهي الآن ما زالت قائمة تواصل رسالتها نحو الإسلام الهادي إلى سواء السبيل في كل عصر وفي كل مصر.
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
« في: اليوم في 02:54:21 »
--------------------------------------------------------------------------------
« إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جمعية إسلامية في سيرها وأعمالها، جزائرية في مدارها وأوضاعها، علمية في مبدئها وغايتها، أسست لغرض شريف، تستدعيه ضرورة هذا الوطن وطبيعة أهله، ويستلزمه تاريخهم الممتد في القدم إلى قرون وأجيال، وهذا الغرض هو تعليم الدين ولغة العرب التي هي لسانه المعبر عن حقائقه للكبار في المساجد التي هي بيوت الله وللصغار في المدارس على وفق أنظمة لا تصادم قانونا جاريا ولا تزاحم نظاما ما رسميا ولا تضر مصلحة أحد، ولا تسيء إلى سمعته فجميع أعمالها دائرة على الدين، والدين عقيدة، اتفقت جميع أمم الحضارة على حمايتها وعلى التعليم والتعليم مهنة، اتفقت جميع قوانين الحضارة على احترامها وإكبار أهلها ».
منشور لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين نشر في جريدة البصائر عدد 160 الصادرة في 07 أبريل 1939.
فكرة التأسيس :
تعود فكرة تأسيس هيئة تجمع شمل العلماء المسلمين الجزائريّين عند الشّيخ عبد الحميد بن باديس إلى فترة إقامته بالمدينة المنوّرة عندما كان يتناقش ويدرس مع رفيق الدرب الشّيخ "محمّد البشير الإبراهيميّ" أوضاع الجزائر، وسبيل النهضة الشاملة. وفي ذلك يقول الشّيخ الإبراهيميّ : « وَأشْهِدُ الله على أن تلك الليالي من عام 1913 هي التي وضعت فيها الأسس الأولة لجمعيّة العلماء المسلمين والتي لم تبرز للوجود إلا عام 1931 ».
لقد تأكد للشّيخ ابن باديس بعد رجوعه من الحجاز، أن خدمة الوطن ونهضته لا يمكن أن يقوم بها شخص واحد، لذلك كان من الطبيعي أن يتطلع إلى توسيع الخطة الإصلاحية التي شرع في تنفيذها بتعليم الناس وإرشادهم وتصحيح أمور دينهم، واستنهاض همم العلماء إلى تأسيس الهيئات التي تشد عضده، وتعينه على أداء مهمته، فباشر منذ عام 1920 م بعقد لقاءات مع الشّيخ "محمّد البشير الإبراهيميّ" في كل أسبوعين أو كل شهر على الأكثر تارة في سطيف، وأخرى في قسنطينة، لتقيم نشاطهم وأثره على الشعب ووضع برنامج للمستقبل وتهيئة الظروف لإخراج جمعيّة تجمع شمل العلماء من حيّز القول إلى حيّز الفعل.
التأسيس :
تأسست "جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين" بعد عام من الاحتفال بمضي قرن على احتلال الفرنسيين للجزائر (1349 ه /1930 م)، وذلك يوم الثلاثاء 17 من شهر ذي الحجة عام 1349 ه الموافق لـ05 من ماي 1931 م في اجتماع بنادي الترقّي لاثنان وسبعون من علماء القطر الجزائري ومن شتى الاتجاهات الدينية والمذهبية (مالكيين واباضيين، مصلحين وطرقيين، موظفين وغير موظفين)، كما حضر الاجتماع الأعيان وطلبة العلم، بدعوة خاصّة وجهتها لهم لجنّة تأسيسية مؤلفة من أشخاص ينتمون إلى نادي الترقّي، "لا يثير ذكر أسمائهم شكوك الحكومة، أو مخاوف أصحاب الزوايا" حتى يتم الاجتماع في هدوء وسلام، وتتحقق الغاية المرجوة من نجاح التأسيس.
اجتماع التأسيس بدأ بجلسة تمهيدية، عيّنوا فيها للرئاسة المؤقّتة الشيّخ "أبو يعلا الزواوي" وللكتابة الأستاذ "محمّد الأمين العمودي"، ووُضِعَ القانون الأساسي للجمعيّة الذي تمت صياغته من طرف الشّيخ "محمّد البشير الإبراهيميّ" في مائة وسبع وأربعين مادة أقرتّه الجمعيّة العامة بالإجماع بعد إجراء تعديلات بسيطة عليه. كما تم انتخاب الشّيخ ابن باديس - غيابياً - رئيساَ بالإضافة إلى باقي أعضاء مجلس إدارة الجمعيّة، وقاموا باستدعاءه لحضور الاجتماع العام.
وبعد يومين حضر الشّيخ ابن باديس إلى نادي الترقّي وترأس جلسة لهيئة الإدارة ألقى فيها كلمة جاء فيها : « إخواني، إنني قد تخلفت عن جمعكم العظيم اليوم الأول والثاني فحرمت خيراً كثيراً، وتحملت إثماً كبيراً، ولعلكم تعذرونني لما لحقت في اليوم الثالث، وأذكر لحضراتكم ما تعلمونه من قصة أبي خيثمة الأنصاري لما تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك ثم لحقه فقال الناس هذا راكب يرفعه الإل ويضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كن أبا خيثمة ، فقالوا : هو أبو خيثمة، فاعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل عذره ودعا له بخير. ومثلكم من كان له في رسول الله صلى الله عليه وسلم القد وة الحسنة ». ثم عرضت عليه الأعمال السابقة فوافق عليها.
هكذا تأسست الجمعيّة، وتشكل مجلسها الإداري المنبثق عن الاجتماع التأسيسي، على النحو التالي :عبد الحميد بن باديس رئيساً،محمّد البشير الإبراهيميّ نائباً عنه،محمّد الأمين العمودي كاتباً عاماً،الطّيّب العقبيّ نائباً للكاتب العام،مبارك الميلي أميناً للمال،إبراهيم بيوض نائباً لأمين المال.
وضمت الهيئة أعضاء مستشارين: المولود الحافظي، الطيب المهاجي، السعيد اليجري، مولاي بن الشريف، حسن الطرابلسي، عبد القادر القاسمي، محمّد الفضيل اليراتني.
منظر للعلماء المؤسسين
الظروف التي تأسست فيها الجمعيّة :
- مرور قرن كامل على الاحتلال الفرنسيّ للجزائر (1830 – 1930 م)، واحتفال الفرنسيين بذلك، بحضور الرئيس الفرنسيّ خصيصا إلى الجزائر لرئاسة الاحتفالات المذكورة التي اتخذت صورة استفزازية بالنسبة لمشاعر الجزائريّين، وقد دلت خطب المسؤولين الفرنسيين في هذه الاحتفالات على روحهم الصليبية المتطرفة التي يكنونها للعروبة والإسلام في الجزائر.
- اشتداد تأثير الطرقيين وازدياد نشاطهم في البلاد، فلم يكن المجتمع يرى الإسلام إلا الطرقية التي جعلت منها سلطات الاحتلال مراصد لبث فكر تخديري، ومعتقدات فاسدة تزيد من قابلية المجتمع للاستعمار.
- شيوع الجهل بين عامّة الجزائريّين بسبب سياسة الاستعمار اتجاه التعليم التي تسببت في اختفاء الكثير من المساجد والزوايا والكتاتيب القرآنية ومدارس التعليم، ومنع تعليم اللغة العربية والدين مما أدى إلى ارتفاع نسبة الأمية بين عامّة الجزائريّين.
أركان الجمعيّة :
كتب الشيخ عبد الحميد بن باديس في العدد 83 من جريدة البصائر الصادرة في 30 سبتمبر 1937 يقول : العروبة، والإسلام, الفضيلة، هذه أركان نهضتنا، وأركان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي هي مبعث حياتنا، ورمز نهضتنا، فمازالت هذه الجمعية منذ كانت تفقهنا في الدين، وتعلمنا اللغة، وتنيرنا بالعلم، وتحلينا بالأخلاق الإسلامية العالية، وتحفظ علينا جنسيتنا، وقوميتنا، وتربطنا بوطنيتنا الإسلامية الصادقة.
أهداف الجمعيّة :
حددت جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين الأهداف التي ترمي إلى تحقيقها في منشور للجمعيّة نشره الشّيخ ابن باديس في جريدة البصائر في العدد 160 الصادر بتاريخ 07 أبريل عام 1939 م، وتشمل أهدافها على التّعليم والتربية، وتطهير الإسلام من البدع والخرافات، وإيقاد شعلة الحماسة في القلوب بعد أن بذل الاحتلال جهده في إطفائها حتى تنهار مقاومة الجزائريّين، وإحياء الثقافة العربية ونشرها بعد أن عمل المستعمر على وأدها، والمحافظة على الشخصية الجزائرية بمقوماتها الحضارية والدينية والتاريخية، ومقاومة سياسة الاحتلال الرامية إلى القضاء عليها.
اولا:الجمعية والتعليم
لقد أدركت جمعية العلماء أهمية التربية والتعليم في تحقيق مقاصدها العقيدية والفكرية، فركّزت على إنشاء المدارس، وحثّ الأمة وتشجيعها على إرسال أبنائها إلى مدارسها، بغية تعليم وتثقيف أكبر عدد ممكن من الأبناء. وقد وجّهت الجمعية اهتمامها إلى التعليم المسجدي، إدراكًا منها بأن (المسجد والتعليم صنوان في الإسلام من يوم ظهـر الإسلام... فكما لا مسجد بدون صلاة، كذلك لا مسجد بدون تعليم).. وعليه، وضعت برامج واسعة لنشر التعليم الديني والعربي للصغار المبتدئين، وتكميل معلومات من درسوا باللسان الأجنبي، كما لم تحرم الكبار من دروس الوعظ والإرشاد، فشيّدت لذلك المدارس وفتحت النوادي لإلقاء المحاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة.
ولم يقتصر دور جمعية العلماء التربوي والتعليمي داخل الوطن فحسب، بل رافق أبناء الجزائر الذي هاجروا فقد تنبّهت الجمعية إلى الأخطار المحدقة بأولئك المهاجرين الـمُعَرَّضِين لخطر الذوبان في الحضارة الأوروبية، والابتعاد عن أصول دينهم، فأرسلت إليهم المعلمين والوعاظ والمرشدين، وأسست النوادي والمدارس لتعليم أبنائهم.
ثانيا:الجمعية وتعليم المرأة .
كان الجمود واقفا في سبيل المرأة ومانعًا من تعليمها، وقد عمدت جمعية العلماء إلى كسر السدود وإخراج المرأة من سجن الجهل إلى فضاء العلم مبنية أمرها على حقيقة وهي أن الأمة كالطائرة لا تطير إلا بجناحين، وجنحها هما الرجل والمرأة، فالأمة التي تخص الذكر بالتعليم تريد أن تطير بجناح واحد، فهي واقعة لا محالة. ولجمعية العلماء جولات موفقة في هذا الميدان، فالنساء أصبحن يشهدن دروسًا خاصةً بهن في الوعظ والإرشاد ويفهمن ما للمرأة وما عليها.
وقد سجلت مدارس جمعية العلماء نحو ثلاثة عشر ألف بنت شاركن الأولاد في السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية، ثم ينفردن ببرنامج محكم.
ثالثا:الجمعية والطرق الصوفية.
كما ذكرنا عند حديثنا عن نشأة جمعية العلماء، بأن مجلسها الإداري الأول لم يكن منقحًا ولا متجانس الأفكار، فقد ضمّ إلى جانب رجال الإصلاح، بعض الطرقيين ورجال الدين الرسميين، الذين أخفقوا في احتواء الجمعية وتصريفــها وفــق مصالحهم وأهوائهم، (فما أكملوا السنة الأولى حتى فرّوا من الجمعية، وناصبوها العداء، واستعانوا عليها بالظلمة، ورموها بالعظائم... ذلك لأنهم وجدوا كثيرًا من الآفات الاجتماعية التي تحاربها الجمعية، هم مصدرها، وهي مصدر عيشهم، ووجدوا قسمًا منها مما تُغْضِبُ محاربته سادتهم ومواليهم).
وبدعم من سلطات الاحتلال، تأسست (جمعية علماء السنة) في خريف سنة 1932م، تضم الطرقيين ورجال الدين الرسميين إضافة إلى بعض العلماء المأجورين، لمناهضة جمعية العلماء، ومناصبتها العداء.. ودعّموا حملتهم بإصدار بعض الصحف، منها (المعيار) و(الرشاد).
لم يكن الموقف الحازم الذي وقفته الجمعية تجاه انحرافات الطرقيين وليد نشـأتها، بل كان امتدادًا للنهج الذي سار عليه ابن باديس والمصلحون من قبل.
ولقد علمت الجمعية بعد التروي والتثبت، ودراسة أحوال الأمة ومنشئ أمراضها، (أن هذه الطرق المبتدعة في الإسلام، هي سبب تفرّق المسلمين... وأنها هي السبب الأكبر في ضلالهم في الدين والدنيا).. ويوضح لنا الشيخ الإبراهيمي الدوافع وراء محاربة ضلالات الطرقيين، فيقول: (ونعلم أننا حين نقاومها، نقاوم كل شرّ، وأننا حين نقضي عليها -إن شاء الله- نقضي على كل باطل ومنكر وضلال).
جمعية العلماء وثورة التحرير المجيدة
من المعلوم أن جمعية العلماء كانت إلى جانب مهمتها في التربية الدينية والثقافية وتغلغلها في أوساط الشعب، تطالب دائما وبإلحاح من الإدارة الاستعمارية الجاثمة على الدين الإسلامي بتحرير المسـاجد والأوقـاف والقضاء الإسـلامي وترسيم اللغة العربية.
وبما أن هذه المطالب قد واجهت آذانا صماء، لا تريد الاعتراف بالحق لأصحابه، وهو أمر ليس غريبا من عدو جاء ليجرد الشعب الجزائري من جميع مقوماته : من دين ولغة، ليتمكن في النهاية من تدميره، ومحقه ككيان مستقل له هويته، لقد أدى هذا الموقف المعتمد من الحكومة الفرنسية إلى أن أصدر مكتبها بلاغا في 18 جوان 1945 أعلن فيه : { أن الأمة قد يئست من الحكومة ومن المجلس الجزائري المدلس، ومن عدالة الدولة في هذه القضية، وأن المحاولات العديدة التي حاولتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قصد الوصول إلى حل موفق معقول لهذا المشكل لم تأت بنتيجة... والمكتب يعتقد على ضوء الحوادث، وقياسا على كل ما وقع أن هذه القضية الدينية لا تجد لها حلا عادلا إلا ضمن حل كامل للقضية الجزائرية التي هي وحدة لا تتجزأ، وأن الأمة الجزائرية يجب عليها في الساعة الحاضرة وفي مستقبل الأيام أن تتوجه بكليتها لمحاولة حل قضيتها العامة، حلا عادلا يتناسب مع التطور العالمي الحديث }.
وقد سبق للأمام عبد الحميد بن باديس سنة 1936 مخاطيا للشباب الجزائري في نشيده المشهور :
شَعْبُ الجَزَائِري مُسْلِمٌ وَإلَى الْعُروبَةِ يَنْتَسِبْ
إلى أن دعا إلى إعلان الحرب على الظالمين ومحاربتهم في قوله :
وَأذقْ نُفوسَ الظَّالمِيـــنَ السُّمَّ يُمْزَجُ بِالرَّهَبْ
وندد بالخائنين :
وَأقْلَعْ جُذورَ الخائِنيـــنَ فَمنهُمْ كُلَّ العَطَبْ
واستنهض الهمم :
واهزُزْ نُفوسَ الجامدِيــنَ فَربَّمَا حَيّ الخَشَبْ
وقد سلكت هذا السبيل في مقال نشر بالبصائر في العدد 36 السلسلة الثانية سنة 1948 تحت عنوان : {الإسلام شريعة الجهاد والاجتهاد } أكدت فيه (.. أن الجهاد لا يقوم إلا على حرية، وتلك الحرية لا يجلبها إلا الجهاد... إذ أنه في ترك الجهاد تمكين للاضطهاد، والاستعباد، كما أن في إبطـال الاجتهـاد تقتيلا للمواهب يعقبه تعطيل للشريعة نفسها).
ولما اندلعت ثورة التحرير المظفرة، نشر الشيخ الفضيل الورتلاني رئيس مكتب الجمعية بالقاهرة بلاغا في 02 نوفمبر 1954 أعلن فيه تأييد الجمعية للثورة، ودعا فيه الشعب الجزائري لخوض معركة الجهاد التي يفرضها عليه دينه وماضيه وكرامته.
ومن جهة أخرى وجه المرحوم الشيخ الفضيل الورتيلاني :
أولا :نداء إلى الحكومة الفرنسية والشعب الفرنسي منددا فيه بسياسة فرنسا التي تعمى عن الحقائق وتتنكر لمطالب الشعب الجزائري.
ثانيا : نداء إلى أبناء المغرب العربي يدعوهم إلى الاتحاد وتدعيم الصفوف وتأييد الثورة الجزائرية.
ثالثا : نداء إلى الشعوب العربية والإسلامية يدعوهم إلى نجدة إخوانهم الجزائريين وتدعيمهم ماديا ومعنويا ودبلوماسيا.
وفي 15 نوفمبر 1954 وجه كل من الإمام الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ الفضيل الورتلاني نداء للشعب الجزائري يذكِّرَانِهِ فيه بمساوئ الاستعمار الفرنسي في الجزائر ويحثانه على خوض معركة الكفاح المسلح دون تردد، ودائما في إطار تعبئة الشعب الجزائري لنصرة ثورته والعمل على دحر عدوه، تم في القاهرة في 17 فبراير 1955، التوقيع على ميثاق جبهة التحرير الوطني من قبل: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والفضيل الورتيلاني, وأحمد مزغنة، ومحمد خيضر، وحسين آيت أحمد ومحمد يزيد والشاذلي المكي، وحسين لحول، وأحمد بن بلة، وأحمد بيوض أعلنوا فيه:
{أن المنظمات والأحزاب في الجزائر تشكل كتلة واحدة وجبهة في معركة التحرير والكفاح المسلح للشعب الجزائري ضد العدو المحتل وذلك بجميع الوسائل }.
وقد انخرط أعضاء الجمعية في الخارج جنبا إلى جنب مع إخوانهم، أما في الداخل فما إن اندلعت الثورة حتى راح طلبة معهد ابن باديس يلتحقون بصفوف الجهاد باذلين الأرواح الزكية من أجل الوطن، بينما أساتذة المعهد ومعلمو المدارس الحرة قد انخرطوا في الخلايا السرية لجبهة التحرير الوطني، وفي صفوف جيش التحرير.
ومن بين الشهداء العلماء نذكر الإمام الشيخ العربي التبسي رئيس الجمعية بالنيابة واليمين العمودي الأمين العام السابق للجمعية ورضا حوحو الكاتب العام لمعهد ابن باديس ومحمد العدوي والشاعرين عبد الكريم العقون والربيع بوشامة والشيخ العربي الشريف وغيرهم كثيرون بذلوا دماء سخية في سبيل حرية الجزائر وكرامتها واستعادة هويتها العربية الإسلامية كاملة غير منقوصة.
وهكذا فإن الجمعية قد أدت مهمتها التي فرضها الله والوطن عليها في الإطار العام للحركة الوطنية الجزائرية قبل الثورة المسلحة وأثناءها، وهي الآن ما زالت قائمة تواصل رسالتها نحو الإسلام الهادي إلى سواء السبيل في كل عصر وفي كل مصر.
اهم المراجع : موقع الشيخ عبد الحميد بن باديس.
موقع مجلة البصائر.
موقع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
MOHAMED- فريق الادارة
- عدد الرسائل : 2646
نقاط : 2047109
تاريخ التسجيل : 01/08/2008
رد: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
مشكوووووووووووووووووووووووووووووووووووووور
عذبة القلب- مشرف
-
عدد الرسائل : 347
الموقع : http://www.mobdi3ine.com/vb
نقاط : 584
تاريخ التسجيل : 22/11/2010
مواضيع مماثلة
» اختراعات الجزائريين !!!!!!!!!!!!!
» غرائب العلماء
» أصغر مغنية راي تبهر الجزائريين بظهورها مع الجابوني
» الخلاف الحقيقى بين المسلمين والمسيحين
» البعد الإنساني للطب عند المسلمين
» غرائب العلماء
» أصغر مغنية راي تبهر الجزائريين بظهورها مع الجابوني
» الخلاف الحقيقى بين المسلمين والمسيحين
» البعد الإنساني للطب عند المسلمين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى